إذا قُمتَ بإعداد منتج ما أو صقلت مهارتك في تقديم خدمة معينة يمكن للعملاء أن يستفيدوا منها، وأنشأت شركتك الخاصة وبدأت بالبحث عن وكالة تسويق رقمي تساعدك على تسويق عملك وجذب الزبائن إليك، سيعترضك في خضم أبحاثك عن الوكالة المناسبة بعض الوكالات التي تقدّم الوعود لزبائنها وتضمن نتائج إيجابية وعوائد كبيرة على الاستثمار خلال فترة معينة من الزمن.
فهل يمكن حقاً لوكالات التسويق الرقمي أن تضمن الربح للشركات التي تتعامل معها؟ أم أن هناك عوامل كثيرة يجب أخذها بالحسبان لرسم العلاقة بين الشركات ووكالات التسويق؟ هذا ما سنتحدّث عنه في هذا المقال.
الإجابة القصيرة على ذلك السؤال هي لا. أي وكالة تسويق رقمي ذات خبرة ومكانة مرموقة لن تقوم بضمان النتائج، لأنه من المستحيل توقع ما سيحصل في سوق العمل، فهناك الكثير من المتغيرات في مجال التسويق الرقمي التي تجعل منه ميداناً حركياً يصعب توقع نتائجه.
أي علاقة بين شركة ووكالة تسويق رقمي تُبنى على أساس ضمان الأرباح ستكون علاقة غير مستقرة وسيعترضها الكثير من المشاكل، وسنخوض معاً في التفاصيل التي تجعل تقديم الضمانات المسبقة أمراً خاطئاً وغير أخلاقي.
جدول المحتويات
لماذا يستحيل على وكالات التسويق ضمان النتائج؟
تعمل الوكالات على إنجاح الحملات التسويقية للشركات بكل ما تملكه من خبرة ومعرفة بسوق العمل، لكن هناك العديد من العوامل الخارجة عن سيطرتها. من الأسباب التي تجعل ضمان النتائج مستحيلاً:
1: خوارزميات محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي
يمكنك أن تثق بأن وكالة التسويق الجيدة ستطبّق أفضل الممارسات وستكرّس جهدها ووقتها لإنجاح الحملات التسويقية على منصات السوشال ميديا، وإعداد الموقع الإلكتروني ليكون في الصفوف الأولى في نتائج محركات البحث، لكن بالنهاية، خوارزميات هذه المنصات هي العامل الحاسم في ما يشاهده الجمهور وكيف ومتى يحصل ذلك.
المنصات أمثال غوغل وفيسبوك وغيرها تقوم بتحديث خوارزمياتها باستمرار لتقدم أفضل تجربة مستخدم، وبحيث تظهر له نتائج بما يتوافق مع نشاطه عليها، أي إذا قام شخصان بالبحث عن نفس الموضوع قد يظهر لهما نتائج مختلفة بحسب موقعهما الجغرافي وتاريخ البحث وغيرها الكثير من العوامل، ذلك يجعل من الصعب توقع النتائج التي ستولّدها هذه الخوارزميات وبالتالي لا يمكن تقديم الضمانات.
ما يمكن القيام به هو اختيار وكالة التسويق المناسبة التي تملك الخبرة والمعرفة في التعامل مع هذه المنصات، والتي ستطبّق أفضل الممارسات والاستراتيجيات لتعطي الشركة أفضل فرصة لنجاح حملاتها التسويقية.
2: المنافسون في السوق
مثلما أنك تسعى لتكون صفحات موقعك الإلكتروني في أوائل نتائج محركات البحث، كذلك الشركات الأخرى تنافس للحصول على مركز في هذه النتائج، فالتسويق الرقمي هو ميدان مفتوح تنافسي ويعطي فرصة للجميع.
حتى ولو احتفظت الشركة بمكانها في الصفحة الأولى لنتائج محركات البحث لفترة من الزمن، أو كان لها تواجد قوي على بعض منصات السوشال ميديا، يمكن للشركات المنافسة أن توظف وكالات متخصصة في الإعداد لمحركات البحث (SEO) والتسويق على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تستثمر في حملات تسويقية على هذه المنصات تمكّنها من أخذ المراكز الأولى وبناء تواجد وظهور أقوى من تلك الشركة.
يمكن لوكالات التسويق أن تفعل كل ما بوسعها لتهيئة موقع الشركة الإلكتروني لمحركات البحث وإعداد حملات الإعلانات المدفوعة وغير ذلك لمحاولة استعادة مركز الشركة، لكن لا يمكنها التحكم بسوق العمل ولا بما يقوم به المنافسون.
3: أهداف الشركة قد لا تتوافق مع المعايير في مجال العمل
لكل شركة أهدافها ووضعها الخاص، فلا يوجد في سوق العمل مجموعة من الأهداف والحلول التي تناسب جميع الشركات في ذات المجال وترسم مسار عمل واضح لها، إذا عملت الشركة بهذه الطريقة واعتمدت على أهداف وحلول لشركات أخرى في نفس المجال قد تجد أنها لا تحقق التطور الذي تحتاجه والنمو الذي تطمح إليه.
مثلاً: لنفترض أن وكالة التسويق قامت بتقديم ضمان بزيادة معدل فتح رسائل تسويق البريد الإلكتروني بنسبة 10%، ماذا لو أن المشكلة ليست بمعدل فتح رسائل البريد الإلكتروني بل معدل التحويل هو الذي يحتاج إلى تحسين؟ الإجراءات التي تحتاج الوكالة إلى القيام بها لتحسين معدل التحويل مقارنة مع إجراءات زيادة معدل الفتح مختلفة تماماً، وهذا المثال هو غيض من فيض.
هناك عشرات وربما مئات الأهداف التي يمكن للشركات أن تسعى لتحقيقها، وكالة التسويق الرقمي الجيدة ستستثمر الوقت والجهد لدراسة الوضع الحالي للشركة وتحديد الأهداف التي تناسب كل مرحلة نمو تمر بها الشركة، وليس تقديم الضمانات المسبقة دون معرفة حاجات الشركة التسويقية والتحديات التي تواجهها.
4: تقديم الضمانات يضع توقعات غير منطقية
صحيح أن خبرة وكفاءة وكالة التسويق تلعب دوراً كبيراً في إنجاح الحملات التسويقية للشركة، لكن هناك الكثير من العوامل الأخرى الخارجة عن سيطرة الوكالة والتي تلعب دوراً في ذلك، لهذا فإن تقديم الضمانات يضع توقعات قد لا تنجح الوكالة في تحقيقها، وذلك يجعل العلاقة بين الشركة ووكالة التسويق عرضة للمشاكل وعدم الاستقرار.
العلاقة الصحية بين وكالة التسويق الجيدة والشركة تكون مبنية على النزاهة والشفافية، ووضع الأهداف والتوقعات المنطقية، والتعاون معاً جنباً إلى جنب لضمان علاقة عمل مثمرة.
5: تقديم الضمانات هو تصرف غير أخلاقي
وكالة التسويق لا تملك سيطرة مطلقة على القنوات والمنصات التي تدير الحملات التسويقية عليها، فكيف يمكنها أن تضمن النتائج؟
الوكالة التي تقدم الوعود الإيجابية في سبيل ضمان علاقة العمل مع شركات الزبائن؛ لا يمكن وصف ذلك سوى بأنها ممارسة غير أخلاقية. التصرّف الأخلاقي في هذه الحالة هو وضع الشركة في صورة الوضع والشرح عن الخيارات التي تملكها، وتقديم كل ما تملكه من المعرفة والخبرة في سبيل إنجاح الجهود التسويقية للشركة.
الأسئلة التي يجب طرحها
عندما يتعامل رائد أعمال يدير شركة مع وكالة تسويق، قد يقوم بطرح أسئلة من هذا القبيل:
- إذا قمت بإنفاق 10.000$ على الحملات التسويقية، هل سيعود ذلك بمبيعات تعادل 30.000$؟
- إذا قمت بزيادة رسائل التسويق المرسلة إلى القائمة البريدية عشر رسائل شهرياً، هل سيضاعف ذلك عدد الزبائن؟
- إذا قمت بزيادة منشورات حسابات الشركة على منصات التواصل الاجتماعي عشر منشورات شهرياً، هل سيتضاعف عدد المتابعين؟
- كم علينا زيادة عدد المقالات التي تُنشر في مدونة الموقع أسبوعياً لنزيد حركة المرور إلى الموقع بأربعة آلاف زيارة؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير مبنية حول العائد على الاستثمار (Return On Investment)، رائد الأعمال يريد أن يتأكد أن استثماره للوقت والجهد والأمل سيعود عليه بالأرباح، وهذا منطقي من وجهة نظره، لكن على أرض الواقع هذه الأسئلة غير منطقية، فهناك الكثير من المتغيرات التي لا يمكن توقعها والخارجة عن سيطرة وكالة التسويق.
عوضاً عن طرح أسئلة تتعلق بالعائد على الاستثمار مباشرة، يجب طرح أسئلة تخص الوكالة تحديداً مثل:
- ما هي الخبرات التي تملكونها في التعامل مع شركات في مجال عملي؟
- أعطوني أمثلة عن نجاحات سابقة حققتموها مع شركات أخرى، وماذا كان دوركم في ذلك؟
- إضافة إلى الشركات التي تتعاملون معها حالياً، هل يوجد شركات سابقة يمكنها أن تشهد بكفاءتكم؟
- ماذا ستفعلون لكي تتعرفوا على الوضع الحالي لشركتي؟
- مقابل الأجور التي سأدفعها لكم، حدثوني عن الاستراتيجيات التي ستطبقونها لمساعدة شركتي على تحقيق أهدافها.
الأسئلة يجب أن تكون من هذا القبيل، هدفها قياس خبرة الشركة وكفائتها وقدرتها على تحقيق الأهداف الموضوعة، وليس أسئلة حول أمور خارجة عن السيطرة ولا يمكن لأحد أن يضمنها مثل العائد على الاستثمار.
قبل أن تلجأ إلى وكالات التسويق اسأل نفسك أولاً:
- هل جودة المنتجات التي تبيعها مرضية بما فيه الكفاية؟
- هل الخدمة التي تقدمها منافسة للشركات الأخرى في السوق؟
- ما هو مستوى رضا الزبائن عن المنتجات أو الخدمات التي يتلقونها؟
- هل الشركة التي تملكها مبنية بشكل صحيح أم أنها غير مستقرة وهناك الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى إصلاح؟
التسويق هو أداة لنشر الوعي بالعلامة التجارية وجذب العملاء وغيرها من الأهداف، لكن الأساس والجوهر الذي يقوم عليه عمل الشركة هو جودة المنتج أو الخدمة التي يحصل عليها الزبون، فالتسويق ليس عصاً سحرية تحل جميع المشاكل إذا لم تكن الشركة بالمستوى المطلوب مهما بلغت خبرة الوكالة وكفاءتها في أداء عملها.
الأجدر هو تكريس الجهود لصقل الخدمة التي تُقدم إلى الزبون وإعداد منتج جيد لينافس المنتجات في السوق قبل اللجوء إلى وكالة تسويق وإضاعة الوقت والموارد.
اختيار وكالة التسويق الصحيحة
بدلاً من البحث عن وكالة تسويق تعطيك الآمال الفارغة والوعود بالنتائج الفورية، إليك مجموعة من الأشياء التي يمكن للوكالة أن تضمنها والتي يجب عليك البحث عنها:
- علاقة عمل تعاونية استراتيجية مبنية على الثقة ومرتكزة على تحقيق أهداف الشركة ومساعدتها في اتخاذ القرارات.
- دراسة معمّقة لوضع الشركة الحالي وأهدافها وجمهورها المستهدف وطبيعة مجال عملها والمنافسة في السوق.
- الشفافية والوضوح في التعامل، فوكالة التسويق الجيدة تثقّف رائد الأعمال عن سير العملية وتبقيه في صورة وضع الشركة وكيف يتم إنفاق الوقت والموارد.
- إجراء الاختبارات ومراقبة مؤشرات قياس الأداء واقتراح الأفكار من أجل استثمار الموارد المتاحة بالشكل الأمثل.
- خبرة الوكالة في التعامل مع شركات بنفس مجال العمل، وحالات النجاح السابقة مع شركات أخرى.
- الأدلة وشهادات الثقة من عملاء سابقين، والتي تشهد بمدى كفاءة وكالة التسويق في أداء عملها وتفانيها من أجل تحقيق النجاح للشركة.
خلاصة الحديث
ما الذي عليك فعله إذا صادفت وكالة تسويق تعدك بالنتائج والعوائد الكبيرة على الاستثمار؟ ابتعد عنها وتابع بحثك، فاختيار وكالة تسويق هو قرار مهم يحتاج إلى الدراسة والتأنّي، وأنت تستحق وكالة تسويق صادقة ونزيهة تبدأ معك علاقة عمل صحيّة مبنية على الثقة والشفافية، فلا يوجد في هذا العالم استثمار خالٍ تماماً من أي مخاطر، ولو كان هذا هو الواقع لما كانت ميدان التسويق الرقمي بهذه التنافسية الكبيرة.