اشترك بنشرتنا البريديّة
واحصل على كوبون خصم 10$ على أيّ منتج رقميّ ضمن مكتبتنا.
صناعة المحتوى جزء مهمّ جداً من استراتيجيّة التواجد الرقمي للشركات، والهدف منه عادة هو الحصول على الزبائن، وتوطيد العلاقة بينهم وبين منتجات الشركة، وبغض النظرعن نوع هذا المحتوى، سواء كان مكتوباً أو مسموعاً أو مقروءاً، من المهم دائماً التفكير بهذه العلاقة، بين المحتوى والمنتج – الشركة والزبون، على أنّها علاقة تبادل منافع، وبناء استراتيجيّة ملائمة لهذا الأساس.
تتلخّص هذه الاستراتيجيّة عادةً بنقطتين رئيسيّتين؛ تقديم قيمة مضافة للقارئ أو المشاهد، على أن تكسب الشركة في النهاية عميلاً أو زبوناً جديداً. وبينما تركّز الكثير من الشركات على الجزء الثاني من هذه المعادلة في بناء استراتيجيّاتها، سواء كان هذا من خلال التركيز على الأساليب الجاذبة لأكبر عدد من التحويلات والنقرات، أو المبالغة في تهيئة المقالات لمحركات البحث على سبيل المثال، يبقى الجزء الأول من المعادلة مهملاً.
في الحقيقة، التوازن مطلوب دائماً في معادلات مشابهة، فالهدف في النهاية هو حصول كلّ من الطرفين على ما يريده، القارئ أو المشاهد على معلومته التي يبحث عنها، والشركة على زبائن وعملاء جدد مهتمّون بمنتجاتها. ولكن كون الجزء الأول من المعادلة يُهمل عادة بحجّة “صناعة المحتوى التجاريّ” من الأفضل الحديث عن أهمّية هذا الجزء، وكيف يمكن أن تؤثّر قيمة المحتوى على الجزء الثاني من المعادلة بشكل مباشر، حتى في حالة المحتوى التجاريّ.
ولكن قبل كلّ شيء، لنبدأ بالإجابة عن السؤال الأهم؛
اقرأ أيضاً: الدليل الشامل للفهم والبدء بالتسويق بالمحتوى
التواجد على الإنترنت يعني أمرين رئيسيّين لشركتك؛ الأول هو امكانيّة استهداف الأشخاص المهتمّين بمنتجاتك بدقّة، والثاني هو أنّهم لن يقتنعوا بهذه المنتجات بسهولة، فهناك العشرات، وربما المئات، من الشركات الأخرى التي تحاول الحصول على انتباههم.
لذا ستجد أن الإعلانات التقليدية كتلك التي تراها على التلفزيون شبه معدومة على الإنترنت، وستجد ايضاً أن العلاقة بين الشركات المعلنة والزبائن المتابعين أقرب لعلاقة التقايض. يستهلك مستخدمو الإنترنت المحتوى بكافة أشكاله، المكتوب والمسموع والمرئي، وكلما كان هذا المحتوى ذا جودة أعلى كلّما استطاع جذب انتباههم اتجاهك واتجاه شركتك، وكلما امتلكت من انتباههم وقتاً أطول.
يُمكّنك المحتوى من بناء علاقة أكثر حميمية من الإعلانات التقليدية مع زبائنك، فهو يقابل احتياجاتهم بطريقة أقل تجارية ولا يحاول دفعهم بطريقة مباشرة لشراء المنتجات، وهو قادر أيضاً على الصمود لفترة أطول بكثير من الإعلانات، فالمقال الجيّد الصالح للقراءة اليوم، والفيديو الممتع القابل للمشاهدة اليوم، والتصميم الجميل الصالح للنشر اليوم، سيبقى كذلك حتّى بعد مرور سنوات.
حتى عند الحديث عن الإعلانات الرقمية، سواء على محرّكات البحث أو وسائل التواصل الاجتماعيّة، يبقى المحتوى الذي يقدّم فائدة أو قيمة مضافة للمشاهد هو الملك، فهو الأكثر قدرة على شد الانتباه وكسب التركيز.
ولهذا تماماً عليك الاستثمار في المحتوى، والمحتوى الجيّد تحديداً، لبناء خطّة تسويقيّة طويلة الأمد لشركتك ومنتجاتك، ولتكون علاقتك مع المتابعين والزبائن أكثر إيجابيّة وتفاعلاً وتلاؤماً مع الإنترنت.
والقاعدة الأولى هنا لا علاقة لها بصياغة المنشورات والمقالات والفيديوهات بطريقة “شركاتيّة” أو “شوارعيّة”، استخدم الأسلوب الذي يلائمك ويلائم توجّهاتك، ولكن ضع في عين الاعتبار أن الهدف في النهاية هو بناء ثقة وعلاقة مع القارئ أو المشاهد، وإقناعه أنّك تعلم ما تقوم به، وأنّ محتواك قادم من شخص له خبرة فعلية في المجال.
صناعة المحتوى ذا القيمة العالية و الذي يضيف للقارئ؛ سواء من ناحية المتعة أو من ناحية التجربة، هو الطريقة الأمثل لبناء علاقة بين الشركة والزبائن. وهذه العلاقة جزء مهمّ من عملية بناء البراند – التي ترتبط بشكل مباشر في عقول من يعرفها مع المجال أو المنتج.
وربما أفضل شركة قامت بهذا -في عصرها الذهبيّ- شركة “ماشينما” التي ركّزت في بدايات يوتيوب على صناعة المحتوى الكوميديّ المرتبط بالألعاب، لدرجة تحوّل اسم “ماشينيما” إلى مرادف حرفيّ لهذا النوع والتصنيف من الفيديوهات بالكامل، حتى عند نشره في قنوات أخرى – ماشينما صنعت محتوى جيّد واعتمدت على قدرات صنّاع المحتوى المتعاملين معها في بناء هويّة خاصّة لها، وهو ما أعطاها القوّة السوقيّة التي امتلكتها في عصرها الذهبيّ.
التركيز على التحويلات وأرقام المبيعات جزء رئيسيّ وطبيعيّ من ثقافة البحث عن المكسب التي تبنى عليها الشركات، وهذا التركيز ليس سيئاً في المطلق حتى في حالة الحديث عن صناعة المحتوى، فهو أداة فعّالة لمعرفة المردود العائد من المحتوى وأين يجب على الشركة تركيز جهودها، ولكن يجب الموازنة في التركيز بين التأثير قصير المدى والتأثير طويل المدى للمحتوى.
التأثير طويل المدى في حالة المحتوى يعتمد على بناء قاعدة متابعين ومهتمين بالمواضيع التي تطرحها الشركة، وهذا يرتبط بشكل أو بآخر مع بناء البراند المذكور سابقاً؛ كلما أصبح المتابع مهتمّاً بما تنشره الشركة كلّما ازدادت احتماليّة تحوّله إلى زبون دائم للشركة، والحصول على مجموعة مهما كان حجمها من المتابعين الدائمين أفضل دوماً من الحصول على قارئ عابر قد لا ينظر مرّتين الى اسم الشركة.
المحتوى الجيّد هو ما يدفع القارئ أو المشاهد إلى متابعة الشركة وجديدها، وهو ما يرسّخ اسمها في ذاكرته، ويجعله مهتماً بالشراء مرّة ومرتين وثلاث مرّات في المستقبل.
المثال الأفضل على أهمّية المتابعين الدائمين بنظري هو منتدى Slashdot الاخباريّ، الذي يعتمد بالكامل على طاقم تحريريّ مهتم بعرض الأخبار ونقاشها، والمجتمع المبنيّ بالكامل حول هذه الفكرة. تحويل الأخبار العاديّة التي تقوم عشرات المواقع بعرضها كلّ يوم إلى مصدر للنقاشات والمحتوى ذا القيمة العالية هو ما يجعل قرّاء سلاش دوت يتّجهون نحو موقع “متهالك” وذا تصميم كلاسيكيّ لقراءة ونقاش الأخبار بدلاً من التوجه لموقع “برّاق” لا يضيف لهم أيّ قيمة لهذا الخبر.
جزء مهمّ جداً من صورة الشركة في أعين الناس، مرتبط بالطريقة التي يرى فيها الخبراء المستقلّون والمتابعون ذوي الخبرة هذه الشركة ومحتواها، والحرب في سبيل إرضاء هذه الفئة من القرّاء والمتابعين قد تكون بأهمّية الحرب ضد المنافسين الذين يعملون في نفس المجال، وربما أكثر أهمّيةً حتى.
هذه الفئة من المتابعين هي التي تقرر بشكل أو بآخر “رأي الجمهور” بما تصنعه، وكلّما ازداد المجال الذي ترغب بصناعة المحتوى فيه ضيقاً وتركيزاً كلما ازدادت أهميّة آراء هؤلاء الخبراء بالمحتوى، والحصول على تفاعل إيجابيّ أو سلبيّ معهم قد يبني أو يهدم جزءاً كبيرأً من قاعدة المتابعين التي تحدثنا عنها قبل قليل، والتي تؤثر بدورها على صورة البراند بشكل مباشر.
يمكن التعامل مع هؤلاء بطرق مختلفة، ولكن الطرق الأكثر نجاحاً تعتمد بمجملها على صناعة المحتوى الجيّد؛ سواء ليكون لدى هؤلاء دافع لمدح هذا المحتوى أو على الأقل تجنّب انتقاده، أو ليكون لهم دافع للتعاون مع الشركة في المستقبل، أو ليكون هذا المحتوى قادراً على مجابهة الانتقادات في أعين بقيّة القرّاء حتى بعد انتقاده.
عندما تفشل شركة في جذب هذه الفئة من المتابعين، تنعدم القيمة من المحتوى الذي تصنعه ويرتبط اسمها في النهاية مع نظرة سلبية تؤثر بشكل مباشر على طريقة رؤية بقيّة المتابعين لهذه الشركة، كما حصل مع IGN؛ واحدة من أكبر وأشهر المجلّات العالميّة في مجال ألعاب الفيديو، وكيف فقدت مراجعات الألعاب فيها قيمتها بالكامل مع مرور الزمن بسبب سوء جودتها ووقوف الكثير من الخبراء وصنّاع المحتوى “الصغار” بموقف المنتقد والرافض لما تقدّمه هذه الشركة في هذا المجال، ولتتحول مراجعات IGN في النهاية إلى “ميم” لا يصلح سوى للسخرية.
وهذا يقودنا للسؤال التالي؛ كيف يمكن أن تصنع المحتوى المثاليّ الذي يضمن لك تحقيق الأهداف الثلاثة السابقة، وكيف يمكنك تجنّب مصير IGN التي أنفقت ملايين الدولارات على المحتوى دون فائدة؟
لنتّفق في البداية أنّه لا وجود “لمعادلة سحريّة” يمكنك تطبيقها لصناعة المحتوى المثاليّ، ولكن هناك الكثير من الأساليب التي يمكنك استغلالها لضمان أنّ محتواك سيكون قادراً على التأثير بالشكل الصحيح على القرّاء والشاهدين، واختيار أيّ من هذه الأساليب يلائم توجّهك وعلامتك التجارية يعود لك ولما تراه مناسباً.
مهما كان المحتوى المصنوع ذا جودة عالية ومهما كان صانعه خبيراً في المجال، إن لم يكن هذا المحتوى جزءاً من خطّة كبيرة تسير عليها الشركة نحو هدف ما، لن يكون المحتوى ذا قيمة. الهدف من خطّة المحتوى عادة هو صب الاهتمام في مجالات معيّنة تهمّ المتابعين بشكل مباشر “نيتش معيّنة” وتقودهم نحو التعامل مع الشركة في المستقبل؛ الفائدة أولاً للمتابعين ثمّ للشركة بشكل ثانويّ.
الخطّة الأفضل يجب أن توازن بين المحتوى الذي يرتبط بشكل مباشر مع خدمات الشركة، ويمكن استغلاله بشكل أو بآخر للتعريف بهذه الخدمات، وبين المحتوى الذي يهمّ القارئ ضمن نفس المجال، ويحتاجه ليمتلك فهماً أوسع له، دون أن يكون هذا المحتوى مرتبطاً بخدمات الشركة بشكل مباشر.
يجب أن توازن أيضاً بين القيمة التي يضيفها المحتوى لهذا القارئ وبين ما تحاول ترويجه، على سبيل المثال، لن تتوقع من قارئ لخبر عن سيّارة جديدة شراء هذه السيّارة من وكالتك، حتّى لو أضفت عشرات روابط التواصل في بداية الخبر ونهايته ووسطه. ولكن عندما تقدّم مراجعة شاملة لكل ميّزات هذه السيارة وتضيف للقارئ قيمة ضخمة من هذه الناحية، سيكون أكثر تقبلاً للتعامل مع وكالتك لشراء هذه السيارة، ولن تحتاج حينها سوى لرابط تواصل وحيد في نهاية المقال لإقناعه.
وظيفة صناعة خطّة المحتوى يجب أن تكلّف إلى شخص مهتمّ بالمجال، ليس فقط من ناحية صناعة المحتوى فيه، بل من ناحية استهلاك هذه المحتوى؛ شخص مهتم بالقراءة عن السيارات بشكل كثيف هو الشخص الأكثر معرفة بما يهمّ قرّاء هذا المجال وما يبحثون عنه فيه.
الشخص المناسب للوظيفة هو الشخص الخبير، القادر على نقاش شريحة المتابعين الخبراء وتقديم معلومات خاصّة به مبنيّة على خبرته التراكميّة في المجال، والقادر أيضاً على تطوير نفسه ومن حوله في الفريق لصناعة محتوى أفضل دائماً. مهما كانت خطّة المحتوى الموجودة لديك مثالية، ومهما كان مشرفو المحتوى لديك مخضرمين وقادرين على إدارة فريقهم، إن كان أعضاء هذا الفريق لا علاقة لهم بالمجال، لن يكون المحتوى الناتج جيّداً.
المكان الأول الذي عليك البحث فيه عن أعضاء لفريق المحتوى خاصتك، هو منصات النقاش والمدوّنات الصغيرة المهتمّة بهذا المجال، والمكان الثاني هو شريحة المتابعين الخبراء التي تحدّثنا عنها قبل قليل، فبهذا تكسب أولاً خبرة هؤلاء، وثانياً تأثيرهم على بقيّة المتابعين.
بشكل رئيسيّ، تعامل معهم بطريقة تحترم وقتهم وفكرهم؛ تجنّب حشو الحديث عن خدماتك في كلّ مكان، قدّم لهم المعلومات الصحيحة والدقيقة، تجنّب المبالغة في تنسيق المحتوى ليتلائم مع الخوارزميات أو محركات البحث، وقدّم لهم المصادر التي تساعدهم على الاستزادة في المجال والتعرّف عليه بشكل معمّق أكثر.
التوازن هنا هو المفتاح، لن يطلب منك أحد عدم الترويج لشركتك ضمن المحتوى أو تجاهل محرّكات البحث والخوارزميات بالكامل، ولكن عليك أن تدرك أنّ المحتوى الجيّد وفائدة المتابعين هو الهدف الرئيسي، وأنّ الترويج هو هدف ثانويّ جداً هنا.
ضرب التوازن هذا واحترامك لمتابعيك سيقوّي مكانة شركتك في نظرهم، سيجعلهم أكثر تقبلاً لمتابعة المزيد من المحتوى، وسيقنع شريحة الخبراء بالوقوف إلى جانب محتواك، وهذا بدوره سيقود إلى تحقيق الأهداف الماليّة بشكل أفضل من مجرد محاولة إرضاء الخوارزميات ومحركات البحث دون الاهتمام بالمتابعين.
المحتوى الجيّد كان وسيبقى الملك دائماً، ولتصنع هذا المحتوى الجيّد عليك ببساطة أن تضع متابعيك في المرتبة الأولى قبل أيّ مصالح مادّية، وأن تصنع هذا المحتوى ليكون قابلاً للاستهلاك البشريّ، وليس فقط لإرضاء الخوارزميات ومحرّكات البحث.